قيام الساعة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
الحديث عن قيام الساعة يعني في قاموس المعرفة هو نهاية البرنامج التكويني للحياة ووقف تام للخلق
هذا النشاط الفكري لا ينفرد به الفكر العقائدي حصرا فعلماء المادة ايضا يتحدثون عن نهاية كونية عندما يقفون على اعتاب الزمن في وصف (المالانهايه) وكثير من الفيزيائيين يضع تصورات لنقطة حرجة في النظام الفيزيائي ينهي البناء الكوني رغم اختلاف التصورات بينهم .
الفكر العقائدي الاسلامي غني ببيانات قيام الساعة وشروطها والاعتماد الاكبر على تخريجات الفكر العقائدي اعتمدت على الرواية
ما يهمنا في هذه الاثارة الفكرية هو الوصف القرءاني لقيام الساعة
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (ابراهيم:48)
هذا النص القدسي يصف النهاية بصفة التبديل وليس الانهاء وهو يؤكد ركنا عقائديا مشهورا في (المعاد) وليس الفناء .. حكمة النص بالغة في ربط المعاد بالاستبدال للارض والسماوات بحيث تختلف النظم وتقوم منظومة خلق اخرى .
(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الانبياء:104)
في هذا النص الشريف تظهر نظرية الاعادة وعملية الطي لا تعني الفناء وعودة الخلق وعد الهي
(قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ) (المؤمنون:113)
هذا السؤال قائم فينا الان فكل منا يتذكر مساحة عمره وكأنها يوم او بعض يوم .. حديث يجري بين الناس عن سنين عمر وكأنها يوم امس ..!! فهو سؤال في الدنيا ايضا وان كان بعد الموت .
نجد ان الوصف القرءاني لما بعد الموت يبدأ فور الموت
(وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (لأنفال:50)
(فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) (محمد:27)
تلك راصدة قرءانية مجردة في فكر مستقل يواجه القرءان دون وساطة .. يدعمها المنطق العقلاني في موجبات تاجيل العقاب من يوم الموت الى يوم القيامة !! وهل هنلك عداد للزمن كما هو العداد الزمني عندنا .. يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات !!
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (الحج:47)
اذن الاستعجال بالحساب مبني في الفكر البشري على عداد زمني طويل وتلك من سنة تفاعلية الانسان مع الزمن الفلكي (ملك لا يبلى) ... وعند الله فالامر يختلف كثيرا وان ذلك العداد عندنا وليس عند الله .
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (يونس:45)
فهل ذلك الحشر يشمل شخص من زماننا وشخص مات قبل عشرات القرون ..!! اذا قلنا نعم يحشرون جميعا .. فكيف جاء الوصف في (يتعارفون بينهم) ومن اين تأتي صفة التعارف بين المحشورين في ذلك التخريج ..!!
(لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:100)
قيل في البرزخ انه عذاب القبر وذلك القول لا يمتلك رابطا مع القرءان وهو من الرواية وفي القرءان نجد ما يؤكد ان البرزخ هو عذاب دنيا للاحياء وليس للاموات !!
(قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (النمل:69)
كيف نعرف المجرمين بصفتهم !! في قصصهم !! فلماذا نسير في الارض اذن ؟؟ تلك احجية القرءان فهي في بيانها وبيانها معها ...
بل سيروا في الارض لتنظروا بانفسكم السارق ما ذا حل به ومن شرب الخمر كيف صار ومن اغتصب حقوق الناس كيف تكون عاقبته .. ولفظ عاقبة من بناء عربي (عقوبة) وهي عقوبة الله فيه .. ذلك هو برزخ وله مقام اخر في التفصيل
نظام الحشر بصفة الجمع لايعني الحشر الموحد .. بل يعني ان نظام الحشر اجمالي ولا ينفلت منه احد .
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (يّـس)
هذا دليل قرءاني قاطع ان رجلا دخل الجنة وقومه لا يزالون في حاضرة الدنيا
(وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ) (يّـس:28)
فذلك الرجل قد تم حسابه وفاز بثوابه ودخل الجنة وقومه لا يزالون في كفرهم ولم ينزل الله عليهم جند !!
الاصرار على ان عداد الزمن في حياتنا التي نحياها سوف يستمر بعد الموت هو اصرار غير موفق لان خروج الانسان من زمن الفلك (موت) يضعه في وعاء زمني من نوع اخر
الموت يعني وقف عداد الزمن عند الميت ... مثله عند النوم .. يقوم الميت في زمن اخر (زمن العقل) ... يحاسب .. يعاقب .. يثاب ... وقومه لا يزالون فيما هم فيه ...!!
تلك هي مفاهيم قيام الساعة تقرأ في قرءان مبين وان عملية الحشر تجري شاملة كاملة في يوم (زمن) يختلف عن يوم (زمن) من ايامنا .. اليوم هو حاوية زمن وحاوية الزمن الفلكي فينا تقاس بدورة الارض حول نفسها وفي يوم (زمن) اخر تبدل الارض غير الارض والسماوات وتقوم القيامة عند الموت وتباشر الملائكة مهماتها في العقاب كما جاء في صدر هذا الادراج وفي الثواب كما في النص الشريف
(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32)
اذن متى تقوم الساعة عند الانسان !!
ومتى ينتهي برنامج الخلق ..؟؟
وهل ينتهي .. ؟؟ ولماذا ..؟؟
هل هي استقالة الهية !!
الم ينتهي البرنامج الالهي في واقعة نوح الكونية !!
هل استقال ربك من الخليقة بعدها ..؟؟
السنا خلفاء من بعد قوم نوح ..!!
(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(لأعراف: من الآية69)
هذه تذكرة ... فمن يذكر ويتذكر ان الله لا يستقيل من منصبه كخالق !!
التصورات التي ترى ان الله سوف يوقف الخلق انما هي تصورات صعبة تنهي صفة الخالق السرمدية وتضع لتلك الصفة برنامجا له نهاية كما هي صفة مدير دائرة معينه تنتهي صفته وتسقط بموجب اجل مسمى ..
ان دمرت الارض .. وان عطلت السماء .. غضبة من الله ... على عباد مارقين ... لن يستقيل الله من صفته .. واذكروا نوح وقومه .. فهو في قرءان ...للذاكرين .. والذاكرات ...
قيام الساعة قيام فردي كما هو بدء حياة الانسان فردية تنتهي بنفس الصفة ويثاب ويعاقب فردا وقيامه بين يدي الله فردا ...
الحشر سنة تكوين لا يمكن تصورها في ساحة واحدة وزمن واحد لان مقاييس الارض تتبدل ومقاييس السموات تتبدل عند الحشر
كل من قبضت روحه قامت قيامته ...
الحاج عبود الخالدي
تعليق