ادراك العدم
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
العدم هو مدرك عقلاني خطير الا انه من المدركات المهملة .. ادركه الفيلسوف (كانت) الا انه ملأ العدم بوجوده الشخصي ليعترف بذاته اولا ولم يتعامل مع العدم بشكله المطلق كما سنرى .
العقل الانساني يدرك المفردات (الاشياء) عندما تختلف ويتوقف الادراك في العقل عند غياب المختلف ...
فلو وضعت مائة قنينة دواء متطابقة الشكل والصنع على منضدة وكنت تعلم ان واحدة من تلك القناني فيها دواء ضار فانك لن تستطيع ادراك تلك القنينة الضارة لان نظام المختلف معطل بسبب تشابه قناني الدواء وتطابقها في الشكل ... وتسعى لفحص الدواء مختبريا قنينة تلو اخرى لتصل الى منظومة (المختلف) لادراك تلك القنينة الضارة .
* ذلك من فهم قرءاني في :
(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) (الفجر:3)
وهو مفصل مهم في خارطة الخالق المودعة في قرءان عظيم !!
*يليها نص شريف تحته مفصل اخر من نظم الخلق في خارطة الخالق
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة:2)
في فهم علمي قرءاني في وجود عالمين في الخلق واوله العقل :
الاول : وهو كل ما يحتويه الخلق بحيث يمكن تصويره (مادي) وهو عالم (المصور) او عالم (الصورة) وهو يمثل كل شيء في حيز مادي
الثاني : اللا صوري وهو كل ما في الخلق يدركه العقل وليس له صورة في العقل مثل الحق والايمان والصدق والغضب والحب والكراهية ومدركات خلق لا حصر لها في عالم لا صوري (غيبي) والعقل هو من ذلك العالم (لا صورة له) عالم الغيب ..
العدم هو المختلف العام الذي يسجل حضورا في العقل
فلو شاهد العاقل جسما (غريبا) في السماء فانه يدركه لان العدم هو مختلفه العام .. والناس تدرك كل شيء مادي ولو تشاهده لاول مره لان العدم مختلفه العام .. اصل المدركات المادية عموما يبدأ وفق نظام مختلف (العدم) فيكون (كل شيء) مدرك لان مختلفه ( لا شيء) أي عدم ...
ولو عرض عليك مفردة عقل لا صوريه وليس لها مختلف في العقل فان تلك المفردة تبقى على باب العقل (عالقة) حتى يملأ العدم في العقل ليدرك تلك المفردة اللامصورة
فلو قال احدهم لك لفظ (الميتافيزيقيا) وهو مفهوم لا صوري فان العدم المعلوماتي في العقل يتحرك ليملأ وعاء العدم حتى يتم ادراك ذلك المدرك العقلي ...
فيكون (العدم) او الجهل بالشيء هو الوعاء الذي يتحرك في العقل يطالب بالحشو المعرفي وتلك فطرة في الخلق يدركها الانسان الاعتيادي بعقله الواعي .
في عالم الصورة .. يتحرك وعاء (العدم) ليقفز حالا لادراك الشيء كيفما يكون وتكون الحواس الخمس هي باب مفتوح لمليء ذلك الوعاء فورا ...
في عالم اللاصوره يتحرك العدم ليملي مساحته ليكون الادراك وذلك ما فعله الفيلسوف (كانت) .. ولكنه لا يمتلك بوابات الحواس الخمس كما في عالم الصورة بل يمتلك بابا عقلانيا واحدا فقط بمعزل عن الحواس الخمس لان المدرك (لاصوري) ...
امران فقط لا يمكن ادراكهما بكينونتهما .. ويمكن ادراك صفاتهما فقط ..!!
الاول : الله سبحانه
فالله ليس له مختلف (ولم يكن له كفوا احد) وهو ليس كمثله شيء فهو لا يدرك بنظام المختلف فذاته الشريفة لا تدرك لان العقل لا يمتلك لها مختلف
فهم ذات الله لا يمكن ان تكون في وعاء العدم .. لان العاقل يدرك انه مخلوق ... وان تحرك العدم في العقل فانه سيمتليء بصفات الله دون ذاته الشريفة !!
لا يمكن لوعاء العدم ان يبقى ساكنا لان الانسان يدرك ان له خالق حتى لو قال بالصدفة فهو يكون قد ملأ وعاء العدم بصفة خادعة ضالة لان بوابته المعرفية ضيقة في اللاصوريات ... واسعة في الصوريات .
الامر الثاني : الزمن
فالزمن لا يدرك كينونة لانه مرتبط بالله سبحانه (الساعة علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو) الاعراف
والزمن لا يمكن ان يملأ وعاء العدم بل صفاته فقط في اختلاف الليل والنهار اية من الله
لان انعدام الزمن مستحيل في العقل واذا انعدم الزمن في العقل حصل اللاوعي والغيبوبة وانعدام الزمن في العقل يتحصل عند النوم ايضا وعند الموت !!
ويبقى العدم هو المختلف الذي يتحرك في العقل ليكون (باب المعرفة) فان كان للجهل اي (العدم) باب عند الانسان ... استطاع ان يملأ وعاء العدم بكم معرفي لا حدود له .
وان اغلق الانسان وعاء العدم ولم يفتح له باب او جعل مدخله ضيقا ...
فانه يستطيع ان يدرك الماديات وتصعب عليه اللاصووريات
حضارة العصر حركت وعاء العدم في العالم المصور (المادي)
وفقدت حكمتها في بوابة العدم في عالم اللاصورة فضاقت بوابة المعرفة في عالم الغيب والشهادة وتزاحمت تقنيات المادة
حصل تقدم تقني هائل لان عالم الصورة يمتلك منافذ دخول واسعة الى وعاء العدم ...!!
ضيق معرفي واضطراب كبير في عالم اللاصورة بسبب ضيق المداخل الى وعاء العدم ..!
تلك الراشدة الفكرية هي التي تسجل حضورها في حقيقة كينونة الرسالات السماوية بما فيها من رسل وانبياء لغرض توسيع قنوات مليء وعاء العدم عند الانسان في عالم الغيب (اللاصوره)
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25)
الحاج عبود الخالدي
تعليق