العقل والذكاء
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
الذكاء مدرك عقلي موصوف في قدرات العقل الانتاجية فعندما يكون الانتاج العقلي فائق النفاذ يكون صاحب العقل ذكيا
احتار النفسانيون بموضوعية الذكاء وكثرت مدارسهم وتعددت تنظيراتهم الا ان تلك الجهود لم تثمر ثمرات ناضجة يمكن اقتطافها وبقي الذكاء مثل حارة من حارات العقل الضائعة على النشاط المعرفي الانساني
علماء الفسلجة تحدثوا عن نظم بايولوجية واخرى بايوفيزيائية فقالوا في الذكاء ومرابطه بحجم الدماغ واخرون قالوا بمرابط الذكاء مع تجاعيد القشرة المخية فكلما تزايدت التجاعيد في قشرة المخ ازداد الذكاء الا ان تلك المدارس سرعان ما تهاوت واندثرت فقد نشر في بعض التقارير ان دماغ انشتاين تعرض للفحص بعد موته فتبين ان حجم المخ وتجاعيده اقل من حجم وتجاعيد عامل خدمة بسيط ..!!
الذكاء الذي يرصده الناس في نشاطهم المعتاد خارج النظم العقائدية يمتلك مراصد مختلفة عن مراصد الوعاء العقائدي فيكون ذكاء السارق والمحتال على نفس الطاولة التي يتم فيها رصد العالم الفيزيائي او الفسلجي لان معايير الذكاء تكون متجردة من القيم الآدمية او القيم العقائدية وتنحسر الرؤيا العلمية للانتاج العقلاني المتألق سواء كان في سارق ومحتال او في علم كيمياء ..
الوعاء العقائدي ينحى منحى اخر فالشياطين ذكية والصالحون اذكياء وبينهما فارقة تفرق بين ذكاء صالح وذكاء غير صالح ونرى الوجه الصالح في نص قرءاني مبين
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) (الكهف:13)
والنص يؤكد ان عقول الفتية قد انتجت عملا صالحا الا وهو الايمان (فتية امنوا بربهم) وكان نتيجة ذلك النتاج العقلي الصادر من عقولهم ان ربهم زادهم (هدى) وهو في (وزدناهم هدى)
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) (الكهف:16)
النص يشير الى قرار البراءة الصادر من الفتية (واذ اعتزلتموهم وما يعبدون) وفي تلك ضابطة علم مستحلب من قرءان عظيم تؤكد فاعلية البراءة من الفعل الفاسد او الفكر الفاسد وهو بالاعتزال .. ويكون للاعتزال نتيجة في ان ينشر لهم ربهم رحمة .. أي ان النتاج العقلاني سيكون من ربهم وليس منهم
ما يؤكد هذا المسرب الفكري ويديم رصانته هو النص التالي
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً) (الكهف:10)
فما كان ذكاؤهم الا ذكاءا مأتيا من عند ربهم ولم يكونوا قادرين على تصريف شؤونهم لانهم قد اعتزلوا واصبحوا في وعاء البراءة العقلية من الفكر الفاسد
وما يزيد هذا المسرب حاكمية في العقل هو النص التالي
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام:75)
فيكون ابراهيم ذكيا بكينونة الهية في عقلانيته وتلك هي قانون الهي رشيد يظهر مع فتية اصحاب الكهف بشكل مبين (وهيء لنا من امرنا رشدا)
رشاد الانتاج العقلاني هو الذكاء بعينه لان الرشاد الفكري يمتلك قدرة نفاذ فائقة وهو راصدة الذكاء كما نراها في انشطتنا ولكننا في وعاء عقائدي اما اذا كنا على طاولة غير عقائدية فان الصفة الشيطانية ستكون صبغة الذكاء الموصوف بنفس صفة النتاج العقلي الفائق النفاذ الا انه خارج سنن الخلق فيكون في السارق والمحتال وهم يمتلكون ذكاءا خارقا كما في الجريمة الكاملة عندما يختفي الفاعل دون ان يترك اثرا ماديا واضحا او في الجريمة المنظمة التي يتألق فيها النتاج العقلي في التنفيذ فتكون في صفات الذكاء العالي .
الذكاء الشيطاني هو وليد فاعلية عقلية يمتلكها الذكي نفسه
الذكاء الرحماني يؤتى للفرد المؤمن ولا يحتاج الفرد فقط الا لقرار التبرهم والاعتزال من الفكر الفاسد
الاعتزال من الفكر الفاسد لا يحتاج الى ذكاء بل يحتاج ان يتمسك الفرد بفطرت الخلق فلو يلاحظ الانسان مخلوق بسيط مثل القطة التي تعيش بين اظهرنا فان اعطيناها قطعة لحم فهي تستقبلها بهدوء وتلتهمها امامنا ولها عيون شاكرة اما اذا اختطفت تلك القطة قطعة اللحم فانها تسارع في الهرب مذعورة حتى وان لم نطاردها .. فهي فطرة خلق خلقها الله خصوصا في تألقها مع الانسان وبموجب نص عظيم
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
وعندما يريد الناس ان يكونوا من فئة (يعلموا) ولن يكونوا من فئة (اكثر الناس لا يعلمون) كما جاء في النص الشريف فان القرءان دستور هداية وفيه تفاصيل الابراهيمية وتفاصيل علم العقل
نستخلص من ذلك الموجز ان مشغل الذكاء الراشد (غير الشيطاني) يقع حصرا في قرار مزدوج
الاول : الايمان بالخالق
الثاني : قرار اعتزال الفكر الفاسد (ابراهيم)
فيتفعل الذكاء ويسير الانسان ونور الله بين يديه ولا يحتاج الى خبير او معين او قوة او علوم معرفية مكتسبة حيث يكون انتاجه العقلي دائما فائق النفاذ (ذكاء)
في مقام لاحق سنحاول التركيز على خارطة العقل في فاعلية الذكاء عند المؤمن من خلال التعرف على فاعلية الترابط بين (موسى وهارون) وبعض حقائق ما يجري بين المستويين الخامس والسادس للعقل حيث نرى الذكاء بناظور معرفي اوسع
وتلك ذكرى لمن شاء ذكر
الحاج عبود الخالدي
تعليق