مفاهيم الحق والباطل في
ثقافة الدين
ثقافة الدين
من أجل رسم الحدود التفاعلية بين الحق والباطل
(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (لأنفال:8)
الحق والباطل هي من المصطلحات العقائدية التي امتلكت اوسع صفة للضبابية واكثرها بؤرة للشقاق بين الناس وذلك بسبب اختلاف شديد وقاسي في معايير تعيير الحق والباطل مما جعل كثير من الانشطة الفكرية تمعن في الباطل على انه الحق واخرى تمعن بالحق الا انها متهمة بالباطل ومن تلك الصفة اختلط الحق بالباطل اختلاطا قاسيا يجهض كثيرا من الصفات الاسلامية الحسنة بل يحول كثير من الواجهات الاسلامية الى صفات مقدوحة وقد جاء ذلك النوع من النشاط في الذكر الحكيم
(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:42)
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (آل عمران:71)
عندما يكون الباطل مرتديا لباس الحق تكون الازمة ويقوم الحق المزيف بين الناس والناس يعلمون ان كثيرا من الناس هم ذئاب لكنهم يلبسون لباس الخراف فيكون الحق والباطل عجينة تحتاج الى ثقافة الفرز ولكن ليس من السهل ان يصمت الفكر العقائدي طويلا عن معايير الحق والباطل ليأتي يوم معاصر مثل زمننا يكون فيه الناس قد ورثوا الضبابية في موضوعية الحق والباطل والتي يجب ان تشكل فارقة تفرق العمل الصالح عن العمل السيء فمن يعمل بالباطل انما هو من اهل السوء ومن يعمل بالحق انما هو من أهل الصلاح والتساؤل الكبير هو في سبب فراغ الفكر العقائدي من معايير الحق والباطل ليكون الناس على بينة من امرهم ...؟؟ والقرءان يجيب على ذلك التساؤل الا ان المسلمين لم يستطيعوا ان يعتلوا سقف الفكر التوحيدي ذلك لان التوحيد غرز في نفوس الرعيل الاول فطريا دون جهد فكري او نشاط فكري فكانت معايير الحق عندهم معروفة فطريا الا ان ضياع الفطرة استعر بعد صناعة الفكر وانتشار الافكار والاراء مما جعل الصبي يتلقى علوم الدين في معارف مكتسبة من ذويه وبيئته وهي عبارة عن سلة من الافكار التي صنعت بعد المرحلة الاولى لقيام الاسلام فتختفي الفطرة التي فطرها الله في منظومة التوحيد الالهي في النفس البشرية من خلال تراكمات الافكار المصنوعة صناعة ... ونقرأ النص
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ) (آل عمران:7)
زيغ القلوب يتخذ من المتشابهات وعاءا للفتنة ووعاءا لتأويل ايات الله لان الحق في ايات الله وفي متشابهاتها (من اجل الفتنة) يقوم الباطل ملبسا بالحق في اروع ما جاء من حكمة في نص شريف
(لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42)
نص شريف مليء بالحكمة ولكنها غير مدركة جماهيريا فيتضح ان هنلك امرا غاية في الاهمية مغمور في عمق عميق من غفوة الفكر الا انه مغروس في الفطرة الا وهو (مقود العقول) اذا يظهر بشكل مبين ان مقود العقل البشري الذي اهمل بشكل كبير في المعارف الاسلامية كان سببا في اختفاء العقل التوحيدي رغم ان الفكر الاسلامي يمنح حملة الفكر المسلم في التطبيق مساحات واسعة عن تلك القيادة العقلانية في ادارة الهية مباشرة لعباده (قيادة العقول المؤمنة) في كل امر ولم يستثن الفكر الاسلامي شأنا الا وجعل مقاليده بيد الله الا (العقل) فقد ساخت العقول في معرفة قائدها وتصور كثير من الناس انهم يمتلكون عقلا مستقلا عن ادارة الله الا ان الفطرة المؤمنة تعلم جيدا ان العقل هو اول خاضع الى ادارة الله بشكل مطلق وقبل ان يتصرف العبد باي شكل من اشكال التصرف الا ويكون المقود العقلي بيد الله ... وازاء تلك الراشدة الفكرية يكون الوضوح البالغ ان (زيغ القلوب) هو في تمسك إدارة عقل الانسان لعقله وضاع الحق المبين في توحيد الله مطلقا في ان يكون مقود العقل بيد الله ولا شريك لله في تلك القيادة ولا انداد لله في تلك القيادة والانسان انما هو عبد مأمور من قبل ربه ونسمع القرءان وننصت له علنا نفلح في ما نحن فيه من تراجع فكري
(وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (المؤمنون:62)
الله لديه (كتاب) ينطق بـ (الحق) ويقوم (المنطق) ...!! فهل يعرف الناس الحق في منطق كتاب الحق الناطق ..؟ فان عرف الناس كتابهم بالحق فان الله يقول ان دحض الباطل ووقف فاعليته تؤتى من خلال قيام الحق
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الانبياء:18)
فلو مثلنا الباطل بالظلام (الظلمة) والحق بـ (النور) فلو ان احدنا قام بتشغيل المصباح فان الظلام يتبدد تلقائيا دون صراع مع الظلام او قتال او مطاردة لان النور (يدمغ الظلام) فيكون الظلام (زاهق) تكوينيا ذلك لان الظلام يقوم في غياب النور ومثله الباطل يكون في غياب الحق وفي الحبو الفكري في حياض عشاق الحقيقة (حق) يتضح ان الحق هو الاساس في الخلق ونظمه والباطل لا يملك فاعلية بديء تكوينية ولا يمتلك قدرة نمو بموجب نظم التكوين الا ان الظالمين هم الذين يفعلون الباطل فـ (الظلم ظلام يقوم به الظالم ليطفيء النور الالهي) في العقول بفعل فاعل من تصرف بشري فيكون الباطل (ظلام) من (ظالم)
(قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) (سـبأ:49)
الباطل ما يبدأ في نظم الخلق ولا يعيد نشاطه بل فعل الباطل مرهون بفاعلية مفعـّله لانه ليس من سنن التكوين ليستمر بل هو فعل بشري منقطع غير متصل ... ذلك الله هو نور مبدد للظلام فحين يحجبون نور الله في العقول يقوم الباطل وما اكثر الناس عندما يحجبون نور الله فيرفضون ان يكون الله (قائدا) لعقولهم ويتصورون انهم هم يقودون عقولهم او يخضعون لعقول الاخرين متخذيها دستورا (احتظان الرأي البشري) فينطفيء نور الله فيهم فيقوم الباطل في نفوسهم بداءا بانفسهم والنص يؤكد تلك الظاهرة
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (لقمان:30)
ومن يتصور ان تلك الاية تخص عبدة الاوثان حصرا فهو في وهم فهي تخص كل من جعل لعقله قائدا غير الله حتى وان كان هو نفسه وثنا لنفسه ومن تصور انه مهتديا وانه يقود عقله بوصايا بشرية فهو واهم لانه وضع لصلاحيات الله ندا من فكر بشري وفي ذلك يتوقف نطق (الكتاب الناطق) والذي ينطق بالحق فيسقط (المنطق) بتوقف (النطق) والمسلم الذي يتصور انه يقود عقله بنفسه لا يحق له ان يقول في صلاته (اهدنا الصراط المستقيم) ذلك لانه يعلم انه كاذب ويكذب على الله لانه اختار ان يكون هو قائدا لعقله (وانتم تكتمون الحق وانتم تعلمون) او انه يعلم ان عقله خاضع لفكر بشري مصنوع من قبل بشر ..!! فيكون عقله بلا كتاب ينطق بالحق فكيف يطلب هداية الله لصراطه المستقيم وهو قد هشم قيادة ذلك النشاط فعزل الله عن قيادته فلا يستحق بعدها هدايته ولا يحوز المنطق من كتاب الحق الناطق ..!!
الناس يتصورون ان الدين هو صوم وصلاة ودعاء وانفاق في سبيل الله ودعوة لسبيل الله وابتعاد عن الحرمات وعن العدوان و .. و ... و .. ولكنهم يتصورون انهم هم اسياد عقولهم ومدبري لشأنهم فيتحكمون في كل ما ينشطون به حتى شؤون الدين متصورين ان صلاحياتهم مطلقة وان عقولهم تقود نفسها او يقودها شيخ طريقة او فقيه متألق او كتاب صحاح او حديث متداول ولا يعرفون شيئا عن العبودية الا بطاعة الاوامر المسطورة بالفكر المصنوع وحين لا تكون اوامر لمستحدثات شؤون الناس ونشاطهم تقوم (المتشابهات) ويحصل زيغ القلوب فيختل ميزان الحق وينأى المسلم بعقله عندما يـ (زيغ القلب) ويضع لما لم ير فيه امرا الهيا امرا من عنده (الرأي) فحصل الشطط واختل الدين وفقد جوهرته الاساس في عبودية العبد لربه فطرة فيها كتاب الهي ناطق فوقع الباطل متلبسا بالحق ..!!
معايير الحق والباطل الخفية على الناس جعلت من الحق والباطل مفاهيم متأرجحة بين الاراء في القضية الواحدة وعلى سبيل المثال نرى في موضوعية بالغة الشهرة في رصد الحق والباطل في منظومة الوطن ومنها الانشطة الوطنية بمجملها الفكرية والتطبيقية حيث يختلط الحق بالباطل اختلاطا غير موفقا لفقدان الميزان الذي يوزن به الحق ليكون ناطقا متمنطقا بكتاب الله الناطق بالحق فينادي الوطنيون (حب الوطن من الايمان) ويرفعون شعار (الله الشعب الوطن) وينادون ان (الشعوب مصدر السلطات) فيجعلون قيادة العقول الوطنية في صناعة الفكر السياسي والحزبي مقيلين الله عن قيادة العقل وهم يعلمون انهم كاذبون وان الوطنية لعبة ماسونية (باطلة) مررت على ذقون المسلمين لانهم لايجعلون الله قائدا لعقولهم فقادتهم الماسونية بسهولة ويسر فقطعت (دار السلام) الى زرائب بشرية وكل مجموعة من البشر تتغنى بزريبتها وتعشق ما فيها من قطعان بشرية تسميهم الماسونية (غوييم) وبالتالي غرق المسلمون في بحور الباطل وهم يعلمون ان الوطنية ما انزل الله بها من سلطان ولا تمتلك حرفا واحدا في (كتاب ينطق بالحق) ..
الحقيقة هي وعاء الحق وللحق كتاب ناطق ولا يمكن ان يكون موضوعية الحق من بنات افكار بشرية بل هو حصرا في قيادة الهية للخلق اجمالا والانسان خصوصا
الباطل ... هو عندما يتم نقل قابضة الحق (سنة خلق) الى حالة تنفيذية بيد المخلوق فيكون قدر خرج بنشاطه وموصوفات نتاجه من القيادة الالهية لانه قام بتنفيذ سنن الخلق بقيادة عقله هو فيكون قد البس (الحق) ثوب (الباطل) وعندما يأتي بسنن غير مؤكدة النفاذ (متشابهات) فيقول انها الحق وهو كاذب ... الباطل يتفعل عندما يشطب الناشط قيادة ربه لعقله فيكون هو القائد او ان يعير منصب القيادة العقلية لغيره فيشطط في كل نشاط عندما تنشطر فاعلية التوحيد فيكون العبد متنعما بخلق الله وهو يقيل الله عن قيادة عقله فهو كالعبد المملوك المتمرد على مالكه الا انه يعيش ويأكل ويتنعم في كنف سيده ..!!
من كل تلك الرجرجة الصعبة القاسية التي تعيد الانسان الى مربع التوحيد ليحصل على ميزان الحق والباطل ومنه تقوم المعايير اذ ان معيار الحق والباطل هو (مقود النشاط) فان كان الهي القيادة (قيادة العقول) فهو حق .. وان كان بقيادة بشرية فهو باطل ومن تلك النقطة نحتاج الى حسم صفة القيادة الربانية لانشطة الخلق لمعرفة صفات القيادة الالهية وخارطة الامساك بها
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الاحقاف:13)
القول هنا ليس كلام مسموع بل هو قرار فالقول هو ربط كلمات ببعضها من مصدر العقل فان ربط العقل مرابطه ان الله هو (ربه) و (قام) بتنفيذ ذلك (استقام) فلا خوف عليه ولا يحزن وحين يقول اهدنا الصراط المستقيم فينطق الكتاب الناطق ويقوم (المنطق) بين يدي المؤمن فتكون معايير الحق والباطل متخصصة مع كل نشاطة وتصرف يتصرفه المؤمن حيث يكون معيار الحق والباطل لصيقا تكوينيا مع كل مفصل من مفاصل العبد من يوم ايمانه لغاية اخر شهيق ياخذه من الدنيا
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الانبياء:18)
اذن هي فاعلية معايير ولن تكون معايير مكتوبة مسطورة لان (القيادة بيد الله) وهو (الحق) وهو (الرب) وهو الذي ملك تلك الصفة عندما يكون العبد منقادا لربه فربه يوجهه بموجب نظم الحق (هداية الصراط المستقيم) اما من يقيل ربه من سلطان عقله فان الباطل يركبه كما جاء في نص القرءان اعلاه
(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الاسراء:81)
وتلك ذكرى ... والذكرى في قرءان الله تفتح نوافذ العقل ليكون نور الله في العقول فيزهق الباطل بدءا من العقل منتقلا الى النشاط فيصلح النشاط البشري بصلاح العقل البشري
(هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً) (الكهف:44)
الحاج عبود الخالدي
تعليق