الإسلام في شيخوخة الفكر
المعاصر
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
المعاصر
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
بعد ان انحسر الفقه وضاقت مدارسه عند خروج بغداد من مركزيتها كعاصمة وانتقال مركز السلطة الى سامراء بدأت مرحلة فقهية تتصف بالضمور الفقهي المعروف في تاريخ تلك الحقبة صاحبه ازمات سياسية في مركزية الخلافة العباسية ... اعقبها مرحلة قاسية بعد سقوط بغداد على يد التتار واصيب الفقه الاسلامي بانتكاسة حادة موصوفة بالتوقف عن الانتاج الذي يواكب تلك المرحلة واستهلكت تلك الحقبة اجيال من المسلمين كانوا عاجزين نسبيا عن مواصلة الاتقاد الفقهي وتصومعت المذاهب الاسلامية حسب جغرافية انتشار المعتقد المذهبي واصبحت هموم رجال الدين في الفترة التي سميت بالمظلمة هو جمع قراطيس الاولين وتصنيفها ومنح حواشي الكتب تعليقات على هامش الفقه .
تكاثرت النكبات وتبلورت الصومعة المذهبية بشكل جعل اللحمة الاسلامية ذات تفاصيل حاسمة لا تقبل التغيير واصبح الثوب الاسلامي عبارة عن مجموعة مرقعات غير متحدة الالوان فاصبح الاسلام عبارة عن ممالك فكرية وكأن المذهبية حق امتلكه كل مذهب لوحده فصار الوصول الى ما انزل الله من احكام وشريعة مملوك فكريا حصريا في القنوات المذهبية ولن تجد ما يمنحك هوية اسلامية مطلقة وبدأ القرءان ينحسر كمصدر اساسي للتشريع بين جماهير المسلمين بصيغته التي تتوالف مع فطرة المسلم الفرد واصبح القرءان كمصدر تشريعي يخص الفترة التي تم فيها تثبيت كل شيء وبذلك النهج تحول القرءان الى مصدر تشريعي مفروغ منه وقد انهى دوره التشريعي بعد افراغه في مدارس الفقه في فترة زمن ربيع الفقه الاسلامي وتجردت الجماهير من قرءانها في استنباط الحكم ومن يقرأ في القرءان ما يراه حكم شرعي عليه ان يذهب لصومعته المذهبية ويسأل عن ماذا ثبت لفقهاء المذهب في ما قرأ ...
الأزمة قامت مع بدايات النهضة العلمية التي كثرت فيها المستحدثات التقنية والتي ادت الى تغييرات جوهرية في انشطة الانسان بشكل عام فاصبح المسلمون بحاجة ماسة لتجديد الفقه او لاستحداث ثوابت المقومات الشرعية تحت عناوين جديدة لتكون الانشطة الجديدة تحت اجازة الشرع او رفضها حيث اختلفت الانشطة عن ماضي الناس وسلوكياتهم في كثير من الشؤون التي لا تعد ولا تحصى .... كثرت المحاولات ولكنها امتلكت هوية الاصدار من صوامع المذهبية (فتوى مذهبية) ولا تمتلك المعالجة شمولية اسلامية بل تتصف بصفة قبول مذهبي محدد بجماهيره فاصبحت محاولة التجديد الفقهي من اجل الحاجة المعاصرة مدعاة الى الاختلاف والتصدع فاصبح المسلمون يمتلكون قاموسا جديدا مستحدثا مفتوحا من المختلفات ولم تقف تلك المختلفات عند حد ثبوت الاراء المذهبية فاصبح التجديد في الفكر الاسلامي يتصف بصفة تفريخ وتوالد المزيد من المختلفات مما تسبب في اتساع الفتوق في جسد المسلمين .
التساؤل الكبير الذي يخرج من رحم فكري نازف (هل شاخ الفقه الاسلامي ام شاخ فكر الفقهاء فوهنت القدرة على النشاط .. ؟) ورغم ان مثل هذا التساؤل يحمل صفة قاسية كمن يرمي حجرا الى الاعلى فيرتد على وجهه وهو عسر وسيلة عندما يتمرد المسلم على واقعه ويرفض ما هو مستقر فيكون كمن يقوم بتهديم منزله بنفسه دون ان يعد العدة لبناء منزل جديد بخارطة جديدة ومواد جديدة .!! ادى ذلك الى نفور جماهيري وانفلات مجاميع تلو المجاميع من خيمة الاسلام الى افكار غير اسلامية معاصرة تخرجهم من خيمة الاسلام تارة او تجعلهم على هامش الخيمة الاسلامية تارة اخرى .
عندما يعجز حملة الفقه الاسلامي عن مواكبة عصر النهضة يعني عجز الفقهاء في وضع منهجية معاصرة تمتص نقاط الاختناق ولا يمكن قبول الفتاوى التي يدافع الفقهاء المعاصرين عن انضباط شرعيتها لان الراصد المستقل يرى بعين واسعة حجم الانفلات للثوابت الفقهية التي تستخدم في الفتوى من خلال الاختلاف في الفتوى بين المذاهب حول نقطة معالجة واحدة ولعل اسطرنا تحتاج الى مثل معاصر لرفع جفاف المعالجة .
العملات الورقية والاوراق المالية تلاحمت مع الربا والقرض الربوي والمعاملات المصرفية الحديثة التي حملت من الخلاف الفقهي اشده بعد الغزو الاوربي للارض الاسلامية وانتشار المصارف وقيام العملة الورقية وانتشار الاوراق المالية الحديثة حيث كان الاختلاف موصوف باقسى انواعه ليس بين المذاهب الاسلامية فقط بل اشتعل الاختلاف بين فقهاء المذهب الواحد مما تسبب في انفلات جماهيري من الحكم الشرعي ازاء المعاملات الربوية المصرفية والتعامل بالاوراق المالية واصبح الناس يميلون كل الميل لكل جديد مع عجز الفقهاء المعاصرون من اقناع جماهير الامة والفرد المسلم على حرمة هذا الشيء وحلية هذا الشيء واصبحت الفتوى المختلفة سمة مدرسة الفقه ولعل الراصدة الخطيرة التي تهم سطورنا هذه هو ان مروجي الفقه الاسلامي المتجدد عموما يتقدمون او تقدموا كثيرا نحو أقلمة الاحكام الشرعية لتتناغم مع المعاملات المصرفية الربوية وتعاطي الاوراق المالية ذات المضاربات التي تتطابق مع موضوعية القمار المحرمة شرعا ... لعل تلك الأقلمة تظهر بوضوح في حلية مشروب البيرة الاسلامية او تحريمها او الصمت عنها والتي سرت في المجتمع الاسلامي بسلاسة خطيرة . واصبحت المذاهب وكأنها ممالك فكرية تمتلك الحق في الفتوى رضي المسلمون جميعا بها او لم يرضوا وتبقى الفتوى تمتلك خصوصية جماهير المذهب الفرد
نؤكد ان المثل التوضيحي ليس هدف في هذه الاثارة بل تسعى هذه الاثارة الى وصف العقدة الفقهية المتجددة مع حاجات الناس التي تتسع اختلافا كلما ظهرت حاجة معاصرة وبعدها تتخذ مسار الاقلمة مع واقع الانشطة الحديثة وربما يأتي زمان يجيز بعضهم اكل لحم الخنزير على اساس ان الخنزير المتآلف مع الانسان والمسيطر على علفه في زرائب مسيطر عليها أي انه (مخلوق غير مفترس) وبالتالي فهو غير مقصود بالتحريم الاسلامي ومن اجل ذلك تصدر اجازة حلية لحومه ..!! ذلك ليس بخيالات مسطورة بل شهد الامس القريب اجازة زواج المسلمة من رجل غير مسلم (كتابي) ورغم الضجة التي صاحبت تلك الفتوى الا ان مبرمجة هيكلة الدين التي تتبناها الفئة الباغية التي تحكم الارض سوف تدفع اشباه الفقهاء المجددين الى الاقلمة بعد زمن محسوب ومنه تكون الجماهير مستعدة لقبول فتوى زواج المسلمة من غير المسلم بدون ضجة ولن تكون اقل حظا من المعاملات المصرفية التي امتلكت ضجة كبرى مع بدايات عمل المصارف في البلاد الاسلامية الا ان المسلمين يتأقلمون مع الحرام لضعف الوازع الديني وبدعم من اشباه الفقهاء الاسلاميون المجددون الذين يمتلكون فكرا مصابا بالشلل وهو العجز عن مواكبة التطور الحاسم الذي يجعل هوية الفقه الاسلامي خاضعة للتعديل المبرمج من قبل اعداء الاسلام التقليديين ويفقد التجديد الموضوعي وسيلته الحق المرتبطة بما انزل الله ... من اجل تلك المضامين الخفية على كثير من الناس فان سطورنا تستهدف المنهجية ولا تريد ان تسطر عيوب المسلمين لان تلك العيوب تحتاج الى جهد ومساحة لا حدود لها بل ينحسر الجهد لاظهار عجز الوسيلة المعاصرة في مسك حقيقة واقع الحال القاسي الذي لا يمتلك القدرة على التناغمية مع الحاجات الجديدة وفق ثوابت الشرع بل يتأقلم معها بالتحايل على الثوابت او تهشيمها مثل فتوى الزواج من غير المسلم وتلك المعالجة تدفع الى صحوة تبحث عن مستقرات للحل عند مخافة الله وعدم التلاعب بالثوابت بموجب ما انزل الله حكما بينا وليس بالاتكاء على الرأي في ثوابت متميعة تفقد صفة ثباتها بين يدي اشباه فقهاء يعيشون حاضرا متزايد الاختناق ويستخدمون وسائل انتهت ولايتها الفكرية بسبب قيام ما هو جديد ولم يعد لتلك الوسائل (بناء الاراء) القدرة على توليف الدين مع عناصر وحاجات تتجدد يوميا في حضارة متسارعة .
اشباه الفقهاء يتكاثرون في عصر الفضائيات كما يعلم الجميع ويشكلون الان ازمة في الفكر الاسلامي ولانستطيع ان نحمل الفقهاء الاصوليين مسؤولية شيخوخة الفكر الاسلامي المعاصر لان اشباه الفقهاء وهم انما خزان تاريخ مذهبهم واراء ائمتهم ولا يملكون وسيلة العصر في جديد العصر لان وسيلتهم متحفية الصفة والمسؤولية الحق تقع في ساحة جماهير المسلمين الذين لا تستهويهم الشريعة الا عندما تكون في بطن تاريخ الاسلام واصبحت صبغة الدين الحق هي تلك التي مارسها الاقدمون مما دفع المسلمون انفسهم الى تقمص الماضي بشكل اعنف من العنيف وعلى سبيل المثل التوضيحي لعلني سمعت او لعل متابعي الفاضل سمع ويسمع مئات المرات في خطب دينية وتربوية فكرية وعلى لسان دعاة مسلمين عن مرقعة عمر وسيف علي ونحن في زمن يمتلك فيه رئيس اصغر بلد في العالم طياره خاصة قيمتها تفوق ثوب عمر وسيف علي بملايين ملايين المرات ... !! وهنلك دبابات وطائرات تساوي ملايين ملايين المرات قيمة ثوب عمر وقوة سيف علي ... انها شيخوخة فكرية جماهيرية متعمدة وباصرار ومثل هذا المثل ليس عيبا في علي وعمر بل عيبا في منهجيتنا التي تتعامل مع الماضي الى حد يصيب كل شيء بالضمور وليس العقيدة وحدها فان كان عمر وعلي يلبسون مرقعات فكيف ستكون استكانة شبابنا في الاندفاع نحو العمل ... ؟ وان اعلان مرقعتهما في هذا الزمن تفعل فعلا معاكسا في التقليل من هيبتهما بين النشيء المسلم الذي قد يرى احد المهووسين وفاقدي العقل في مرقعته في شوارع مدينته فيربط بينه وبين ما قاله الداعية الاسلامي عن صحابة رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام لان لبس المرقعة في زمننا اصبح من سمة شديدي الفقر او فاقدي العقل ..!!
ونعيد نكرر ان كشف عيوبنا ليس حكمة ولكن كشف منهجيتنا الواهنة حكمة كبرى تدفعنا الى توحيد صفوفنا في وعاء غير مختلف عليه ويمتلك وسيلة معاصرة وليس منهجية تاريخية فيكون القرءان .
(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) (الحج:16)
(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرءانٍ مُبِينٍ) (الحجر:1)
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُوراً) (الاسراء:89)
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام:38)
(إِنَّ هَذَا الْقُرءانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الاسراء:9)
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرءانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24)
وهو قرءان يتجدد ولا يفقد من صفته شيء ولا يصاب قراءه بالشيخوخة الفكرية لانه اخر كتاب سماوي ولن ينزل من الله بعده كتاب حتى ينتهي برنامج الانسان على هذه الارض وبالتالي فهو قرءان معاصر بثقل الايمان الثابت انه من عند الله فهو عاصر السابقين ويعاصرنا ولسوف يعاصر من يأتي بعدنا فتكون عصريته فرض ايماني وصلاحيته مفتوحة الزمن ولا يمكن اقفالها او تسليم مفاتحها الى فئوية فقهية .. او فئوية زمنية ..!!
انه الحوض الذي لايختلف عليه المتوضئون للصلاة وهو البيان المبين المتفق عليه من قبل كل مسلم نطق الشهادتين اما وسيلته فهو في اية كبرى
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
العقل فطرة الله التي فطرنا فيها ... والقرءان بلسان عربي مبين ... فتكون القيامة الفكرية التي تطفح حيوية مستديمة في (عقل + قرءان + لسان عربي مبين) فيكون الدين فينا معاصرا يحاكي يومنا ويربط القرءان بيوم نحياه وليس بيوم من ماضي ويعيد القرءان روابطنا مع احكام الله في حاجات يومنا اللعين هذا
تلك هي الوسيلة الاعلى في مصدرية التشريع وباتفاق اسلامي مطلق وغير نسبي واذا ما حصل ان يكون المصدر التشريعي الاول مرتبة (القرءان) عاجز عن توفير حلول المستحدثات من المسائل تكون فاعلية المصدر التشريعي التالي مرتبة فتكون وسيلة الفقه في الرواية وما لحق فيها من اختلاف مذهبي ..!! اما ان يشطب المسلمون مصدرية التشريع الاول ويعتمدون على الفقه القائم بصفته قد افرغ القرءان مما استوجب افراغه منه فقهيا فهو شطب متعمد لاولوية القرءان التشريعية ولعل متابعي فتاوى العصر يدركون ما نطرحه ولا توجد فتاوى مستحدثة تعتمد مصدرية التشريع الاولى (قرءان) الا بعض الاستثناءات او عندما يريد اشباه الفقهاء اقلمة المادة القرءانية مع عصر النهضة فيأتون بالمادة القرءانية لتواكب تلك الاقلمة مثل ما افتي بحلية اللحوم في اوربا تحت ناصية (وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم) ليكون اشباه الفقهاء في انتقائية مقصودة ومبرمجة من قبل اعداء الاسلام لغرض أقلمة الاسلام مع العصر وليس اقلمة المستحدثات مع الحكم الشرعي الثابت الذي لا يتغير بتغير الزمن
الحاج عبود الخالدي
تعليق