الإشراف العام المحترم ... السلام عليكم
شكراً لتنبيهك ... وأعتذر مقدماً إن كنت أنت والقارىء الكريم قد لمست إساءة في مداخلتي السابقة ... ولكن تعبيري كان محدداً ببعض البعوض وليس كله...
أخي الكريم ... عندما يُحدثك إنسان بخبر مهما علت ثقتك به عن سرقة بنك فإنك و إن أعطيته ثقتك و سايرته لن يتم تصديقك للخبر إلاّ بالتأكد من أن الخبر صحيح . و هذه مشكلة حملة القرءان فهم يظنون أنّهم يمكنهم تصديق نبي لمجرد إخبارهم بتواتر مزعوم , دون أن يمحصوا فحوى الخطاب المنقول لهم إبتداءً . أساس تصديقنا هو دراستنا لمحتوى النص و ليس بمحاولة تبرير الخرافة بإعلان صدق المُخبر . مثل هذا يصلح لفرد و مجتمع لم يبلغا سن الرشد العقلي بعد .
وهذا ما حدث مع البعوض من هؤلاء العلماء فبدل أن يبحث مع نفسه بنفسه أولاً ليتأكد من الخبر ذهب بما يحمله من أسفار رافقت هذا النبي وحُملت عليه عمداً ، ليأخذ من غيره وليثبت له بعض حقائق الرسالة ويوفق بينهم ومن ثم يخرج الى الملأ ليقول الله أكبر , ويتبعه المتلقي بقوله سبحان الله والحمد الله الذي جعلنا من أُمة الإسلام , (وكلاهما يؤمن ويُصدق أن في الرسالة ناسخ ومنسوخ) كما ينفخ في روحهم أصحاب قبيلة حدثنا , وهذا هو العجز والضلال بعينه , إذ لمن يُوجه الرسول خطابه عندما يقول له إقرأ .
فهم يعيشون حالة الإنفصام في الشخصية (مذبذبين) فمن جهة هم آسارى طغوت كهنوت الدين , ومن جهة أُخرى آسارى طغوت كهنوت العلم , ويحاولوا أن يكونوا بين الأثنين والله ورسوله ضرب لنا مثلاً ليُحدد زُمرتهم لنا بسورة الزمر بقوله :
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) الزمر
وليس عجيباً أن يرد الطغوت أكثر ما ورد في سورة النساء أي سورة من تأخر عن من جاء بسورة البقرة و آل عمران :
الأيات 51 ـ 60 ـ 76
فحين تكون من مجتمع النساء فإنّ الطغوت يكثرون من حولك. حين تكون بلا مال فكل من يعطيك قرشاً هو طغوتك , إن أمكنه يحدد طريقة صرفك للمال و طريقة أكلك و شربك و لباسك .
و حين تكون من مجتمع النساء فكراً , فكل صاحب فقه بقري يعطيك أنموذج الحديث و مواضيع الحديث و طريقة الحديث و حدود التفكير و أي كاهن يخربط عليك و يدخل معك بفتاويه لدورة المياه و لطريقة معاشرتك لزوجك وعلاقتك مع مجتمعك الإنساني .
وحين تكون من مجتمع النساء ثقافة , يتقاذفك طغوت الحمل الحماري بقولهم بأنك من خير أُمة أُخرجت للناس وبأنك حامل للحق كله ومُستغني عن البحث والسير في الأرض ، و يريدون منك التهود و البقاء في قراءات الأسلاف و ترديدها وقذف غيرك بالكفر والضلال والإلحاد والخروج عن الصراط المستقيم صراط السلف الصالح الملائكي , كي تصنع لنفسك عباءة من التقوى الهشة لا تلبث رياح البحث الجاد أن تعصف بها لتتركك مكشوف السوءة .
وحين تكون من مجتمع النساء علماً يبيع لك الطغوت أدوات الإستهلاك و يقتلك مسرطناً أو ضريراً أو أصمّاً أو مشلولاً ، و يبيعك ما يريد ، لا ما تريد ، و كلّما فكرت في الإنفلات منه أعادك للدائرة بطُرقه ليبقيك حبيس شهوتك وشيطانك.
فمجتمع النساء بعلماءه يحتاج سنة الإحصان والتحصين كي لا تتقاذفه الأقلام ليُقذف خارج مسار التاريخ ، ليدخل في مجتمع النساء المؤمنات ليرتقي بعد ذلك إلى مجتمع الرجال المؤمنون الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه .
فأساس المشكلة ، أخي الكريم ... ماذا نريد ؟
هل نريد خدمة الإنسان ؟؟ أم خدمة الله ؟؟؟؟؟
الكهنوت وطغوته أياً كان دينه ، يريد خدمة الله و يدفع الناس بتخويفهم بنار يتوهمونها و لا يملكونها ، لتقديم الخدمات و القرابين لله بركلهم وإكراههم وترهيبهم وحشرهم في طقوس الدين بدون فعل العقل سوى هذا ما ألفنا عليه ءاباءنا ، و الرسول يقول لهم أنّ الله غني لا يحتاج لشيء بل كلامه هداية للناس أي في خدمتهم . فأين هو الإعجاز في ذلك ... أين؟!.
فللناضل من أجل خدمة الناس و لنترك الناس أحراراً، من أراد منهم قراءة القرءان أو من أراد وضعه على الجنب . ففي النهاية علينا أن نتفق على الهدف ... خدمة الإنسان
ثم لماذا يصرون انه إعجاز ليغتالوا العقل والروح ؟!!!؟
لماذا يصرون أنه إعجاز من الله ليعطوا صورة عن هذا الإله كصورتهم ، بينما هو يقول عن نفسه أنه ءآيات للسائلين والمتفكرين والمتتدبرين؟.
فأنا لا أسعى لأجعل القرءانن شاهداً على مخترعات الناس لأقول للناس هاتفاً :
"انظروا أيها الكافرون فهذا كان موجودا في القرءان منذ 14 قرناً"
بل أنا أعتبر كل من كشف أمراً كونياً فهو مؤمن راسخ في العلم و لست أرى إنتمائي جغرافي و لا تاريخي لأزهو على الناس بالنص القرآني و هم يجهدون أنفسهم بحثاً و إنفاقاً و جهداً مضنياً , ولكن إنتماءي إنساني لبني ءآدم ولكن علينا أن نأخذ حذرنا من الذين كفروا وطغوتهم سواءً من مجتمعهم أو من مجتمعنا.
فالبحث في القرءان لا يُراد به الإثبات أو التبرير لمعاجز أو عقائد مُتكلسة , فمن يدخله بهذه الطريقة مريض يحتاج لشفاء ، إذ كيف لإنسان أن يبرر لرّبه وخالقه !!!! ... كيف؟!! .
البحث الجدي في القرءان يبدأ من التساؤل الحقيقي عمّا يحمله من إشكالات وتناقضات مطروحة يُبصرها قارءه مهما حاول من تبريرات واهية ، ليرتقي الإنسان من طور إلى طور ويتعالى نفخ الروح فيه ليخلف بأسماء الله الحسنى ويدخل ويُثبت قول (إن أعلم ما لاتعلمون) وليس في القول الظاهر (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) والذي للأسف أثبته إلى الآن ما يقوم به ما أسميتهم علماء الإسلام أو (علماء النساء) بل مُعظم ما ينتمون إلى (الدين الإسلامي) .
فقراءتهم للرسالة على أنها خطاب لأعراب في صحراء هي من حصر سعة الكلام فيها والمحيطة بالكلمات الكونية , و بدل ما تتسع كلمات الرسول (القرءان) وكلامه في ذهن من يقرأ لتحيط بأشياء الكون ومُحيطه , إنحصرت في كوكبنا الأزرق بل إنحصرت في صحراء الجزيرة بل إنحصرت في قبيلة و لسان ءاعجمي عاجز يقرض الشعر . ثم يأتوا ليقولوا لغيرهم هاؤم إقرأوا كتابيه . فكيف لمن يعتقد هذا الإعتقاد أن يدعي أنه من أهل الكتاب المسطور والمكنون وهو عاجز عن البحث في الكتاب المنشور , إذ لا يمكن أن يكون الإنسان قرءانيا حتّى يكون متفوّقا في العلم البيولوجي و الفيزيائي متفوّقا كفرد و مجتمع ، متفوق في كشف ومعرفة السنن وتسخيرها لخدمته وخدمة أخيه الإنسان مهما كان مُعتقده كما هي رسالة الأنبياء , فكيف لخارجين عن التاريخ ويعيشون على أنقاضه أن يدعوّا القرءانية ، هذا في نظري سفه .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63) النساء
ونظرة سريعة لإنتاج أهل الإعجاز العلمي تتضعنا أمام حقيقة موضوعية و سؤال جوهري هو...... ماذا قدموا وأعطوا دُعاة هذا الإعجاز للإنسانية إلى الآن....؟! ، فهذا برأي من يحكم على إنتاجهم المعرفي ودرجتهم بين الأمم . أو أن يكون هذا الإعجاز العلمي هو نتاج ثقافة العجز أو لنقل ثقافة النساء .
ولنكن حُنفاء أكثر بدليل نذهب إلى الرسول لنقرأ رسالته ... فالرسول ربط تحديه في خطابه المفتوح للإنسان كجماعة ومجموعة بالصدق وليس القدرة فأين هو الاعجاز !!! ولنقرأ ...
وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14) هود
وهناك مشكلة أُخرى فيما يطرحه هؤلاء (العلماء المسلمين) ، وهي على ماذا إعتمدوا عند إخراج قُرء القراءة أين منهجهم بل ماهي طريقة تنزيلهم القرءان على قلوبهم حتى لا تسؤهم النتيجة .
فالسبب الرئيس في دخولي لهذا المنتدى والمشاركة فيه هو ما يحمله الحاج عبود من منهج للقراءة إرتضاه و خطه لنفسه وهذا ما يجعله عندي صادق حتى وإن أخرج قُروء تتعارض مع النص من وجهة نظري في بعض أقلامه .
فالحاج لا يريد أن نتخذه طغوت فهو في كل مرة يُنهي بحثه يُذكر أن كلامه تذكرة ولا يريد من أحد أن يصفق له لينصره ونكون نصارى ، بل هو يريد أنصار له في مسيرته البحثية والتي تحتاج لإيمان أي التأمين فيما يبحث عنه وفيه ومن ثم التصديق ولكن بدليل .
فكتاب الله موجه للمؤمنون والمؤمنين والمؤمنات وللذين ءآمنوا وليس موجه للمسلمين وعلماؤهم فلا يوجد خطاب داخل الرسول ... ياأيها المسلمين أو يا أيها المسلمات أو ياأيها الذين أسلموا ..!!
فالإسلام ليس دين عند محمد ولم يأتي به ولم يظهر في زمنه لا هو ولا جميع قافلة النبوة بل جميع هذه القافلة تنتمي لإسم مسلمين كما سماهم إبراهيم وليس إسم إسلاميين ، وجميع الناس هم مسلمون للّه كرهاً وطوعاً لأنّهم من ملك اللّه وليسوا من خارج ملكه . وكل هذا مسطور في الرسالة ، فهذا الدين هو دين عند الله وليس عندهم (إن الدين عند الله الإسلم) ، ومن هذا المنطلق تمت السرقة والسطو المسلح بالفكر السياسي على دين الله الكوني من قبل السلطة التي تقود القطيع ، نعم من هنا بدأت السرقة ، وجعل الإسلام ماركة مسجلة بإسم قوم قريش وقبيلتهم ، وله أسلم من في السموات والأرض . فمعظم هؤلاء يريدون من أسلمة العلوم كسوتها بما يعرف بالإسلام السياسى وليس الإسلام الكوني الفطري ، والذين هم لأسف بعيدون عنه كل البعد لأنهم مسلمون كُرهاً وليس طوعاً ، فهذا العلم لا يلبس ثوبًا سياسيًّا ، ولا يوجد "هيدروجين" يتبع الإسلام السياسى أو المذهبى أو الطائفي أو العرقي . فالهيدروجين مسلمُّ للَّه ربّ العالمين ويسجد له بقوة السنّة التى لا تبدل . فالعلم هو علم اللَّه العليم . ولنا فى بعض علمه خلافة "وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً" (85 الإسراء).
وأخيراً أخي الكريم أعتذر مرة أُخرى إن أحسست بشيء من الإساءة تجاه مراجعك أو قومك الذين تقوم بهم ويقومون بك .... ولكن هي خواطر أحببت أن أُشاركك بها والقارىء .
فمن يدخل القرءان ، يعطيه حد أدنى من الكرامة ليُشعره بإنسانيته حتى و إن لم يغص في معانيه، يعطيه صوراً للأنبياء و هم يواجهون وحدهم بين الجموع ، صوراً لنبي في معركة يقاوم الظالمين ، صوراً لأنبياء ينطقون بقناعاتهم دون خشية من أحد و دون إنتظار منّة و لا شعبية ، صوراً لرفض الذل و الهوان و رفض الإنسان أن يكون قرداً تسوقه الخنازير .
وختاماً ... كان محمد إقبال يعيش هذه المعاني ، فيقول في قصيدته شكوى وجواب شكوى داعياً ربه للمسلمين :
(أفهمهم يا رب ما ألهمتني ... وأعد إليهم يقظة الإيمان) ، ويرفع شكواه المحزنة عن واقع المسلمين إلى رب العالمين ، فتصور جواب الله تعالى له :
(يا هذا إن قصتك لشجية محزنة ، فقد أبلغتَ شكواك ، فأثبت قدرة الله فيك) شكوى وجواب شكوى
سلام عليكم
الحنيف وربه ...
تعليق