من أجل دستورية الدعوة الى سبيل الله
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (لأعراف:43)
لعل البحث عن حقيقة الدعاة الى سبيل الله ومدى تطابق دعوتهم مع دستورية الدعوة في البلاغ الرسالي امر تم اغناؤه حديثا في مشروعنا الفكري على مساحة مجموعة من الطروحات التذكيرية رغم انه يعيش في وجدان الناس بكثافة ملحوظه حيث يسجل الدعاة الى سبيل الله خروجا على دستورية البلاغ الرسالي عندما يمزجون مع منهجهم الداعي الى سبيل الله سلطوية فكرية علوية وكأنهم (الهداة) الى الله وان ما يدعون اليه يمتلك هيمنة على الناس ... تلك الصفات يعرفها الناس جميعا وتسببت في اختناقات متتالية ويمكن ان ندركها حين نوجه نواظيرنا الفكرية الى اولئك الذين يمتلكون مقاعد فقهية في اصدار فتاوى جائرة تمتلك سلطوية على الناس او عندما يروج الى (ولاية الفقيه) او عند منح لجان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطوية قانونية وسجون قاسية تحت حجة الاصلاح كما لا يخفى على الناس ما يحاك ضد الاسلام من منهجية لا تتصل بالاسلام من بعيد او قريب عندما تكون الفتوى الفقهية مصدرا تشريعيا قانونيا تفرضه السلطات التنفيذية والقضائية بالقوة البوليسية في كثير من الاقاليم الاسلامية في ظل الدولة الحديثة
كل تلك الخانقات الفكرية يمكن ادراكها بسهولة ويسر ويمكن ان تكون ذات مسارب فكرية يعرفها كثير من الناس الا ان هنلك خانقات فكرية حادة تحصلت بين ايدينا مع اكثر من طالب للحقيقة عندما يريد ان يجعل الهداية واجب في عنق الداعين الى سبيل الله ويجعل من الهداية مصدرية ملتصقة بمنهجية الدعوة الى سبيل الله حتى تصل القساوة في بعض الاشخاص الى طرح معادلة فكرية قاسية تقول بما انكم عاجزون عن هدايتي الى الحقيقة فان الاعتزال عن مسارب البحث عن الحقيقة هو الاوفى وهو الخيار الاوحد ... حصل ذات مرة ان انقلب احد الباحثين عن الحقيقة من باحث عن الحقيقة الى ماسك لحقيقة خارج غاية الباحثين عن وجه الله حين اعلن ان السوء المنتشر والطغيان المنتشر ما دام تحت الامر الالهي (باذن الله) فان الله يرضى بالسوء وما علينا الا ان نقبل به كنتيجة حتمية في سنن خلق الله ونسي ذلك الباحث عن الحقيقة ان النتيجة ستكون في غير هدفه حين يتحول من الحق الى نتائج الحق في العقوبة الالهية المنتشرة بالسوء فكان في مسربه عن الحقيقة وفي ما ينشط به تحت ناصية ان الله قد اجاز السوء والفساد في منظومته وقال بالحرف الواحد (اليس الله هو الذي خلق الخمر ..؟)
نرى الفائزين في الدستور الالهي وهم اصحاب الجنة الذين ينطقون بالحق الذي اودعه الله فيهم دستوريا فيقولون (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) فمن لا يهديه الله ليس له هاديا في قول او في دعوة او في خطبة خطيب على منبر فقهي فالهداية قد تؤتى من ومضة حدث تهدي واحدا من جمهور كبير من الناس فالناس يعرفون اين يكون الله معهم وكيف يكون الله معاقبا لهم وكيف يثيب بعضهم فيعرفون الله ان تفعلت فطرتهم التي فطرها الله فيهم وان انغمسوا في دين دنياهم والتهموا مشاعرهم من أعراف قومهم وما اكتسبوا من معارف معروفة بينهم فانهم لا يمتلكون مساحة تكفي من الفطرة ليعرفوا فيها الله وان صاموا الدهر كله وقضوا الليل والنهار ساجدين في محاريبهم
اكبر الدعاة الى سبيل الله في التاريخ البشري هو خاتم النبيين عليه افضل الصلاة والسلام وقد وضع الله له دستورا في الهداية بنص واضح
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56)
واتمم الله صفة دستورية المنهج الخاص بالبرنامج الرسالي بشكل قاطع ينفي أي صفة لصيقة اخرى قد يضيفها الخطاب الديني المروج عبر الاعلام العقائدي الذي شطب دستور الله وصنع دستورا مزاجيا خليطا بين العقيدة والرأي ونسمع دستور الله في شأن التبليغ الرسالي
(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (الغاشية:21)
في هذه المادة الدستورية العقائدية يكون لزاما على قاريء الرسالة الالهية ان يعلم ان الهداية لا تقوم الا (وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله) ولا يملك الداعية الى سبيل الله سوى ان يذكر الاخرين بتلك السبل الموصلة الى الهداية فان ذكر فاز المتذكر وان هجر بقي في ميدانه كيفما كان في مكتسباته المعرفية العائمة في قومه ويعود الدستور الالهي يؤكد ان الذكرى لا تقوم عند المتذكر الا بامر الهي
(وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (المدثر:56)
وهنا تتشابك دستورية البلاغ الرسالي ليكون بحق كامل غير منقوص انه يخضع لارادة الهية مباشرة بين العبد الواحد وخالقه حصرا دون أي تدخل من داعية او رسول او أي مخلوق اخر
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (المدثر:11)
والله يأمر الداعية الى سبيل الله امرا واضحا لا لبس فيه
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)
ويبدو انها لا تنفع غير المؤمنين لو ملأ لهم الداعية اركان العقل كلها ثوابت تذكيريه فان الذكرى لن تنفع الا من اذن له الله الذكرى وجعله من المهتدين
الله سبحانه يمتلك برنامجا حكيما في الخلق وهو اعلم بالمهتدين الذين يقوم الله بتأهليهم للمغفرة ولتقوية ايمانهم (هو اهل التقوى وأهل المغفرة) ولا يوجد مخلوق مهما بلغ به الطول الفكري ان يمارس صلاحية من صلاحيات الله والتي حصرها الله سبحانه بيده حصرا ولم يمنحها حتى لصاحب اخر رسالة سماوية وهو المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (البقرة:272)
حملة القرءان يتصورون ان الانفاق في هذه الاية هو الصدقات والزكاة الا ان سياق الاية الخاصة بالهداية يجبر عقل الباحث الى مراشد فكرية (تفكر) تؤكد ان الانفاق هنا هو كبناء الانفاق في الارض الا ان مقاصد الله الشريفة تريد بناء الانفاق في الفكر للوصول الى الغاية (ابتغاء وجه الله) ووجه الله هو حاوية المجسات الالهية كما روجنا في طروحات سابقة حيث يحتاج الباحث عن الحقيقة ان يحفر في افكاره المستقرة بما اكتسبه من معارف ليبني (انفاق فكرية) ليخترق كل المكتسبات المعرفية بين يديه حتى يصل الى مجسات العقل الالهية وهي (الفطرة الابراهيمية) البريئة من أي مكتسبات معرفية متراكمة فالوصول اليها يحتاج الى (نفق) في الفكر ولو نظرنا الى سنن بناء الانفاق في الارض لوجدنا انها تنهار على من يحفر فيها ان لم يحتاط من متانة جدرانها وتقوية مساربها (تقوى) لكي يصل الى غايته (ابتغاء وجه الله)
الحقيقة التي ظهرت بين ايدينا في بعض التجارب مع اصحاب فكر كانوا يمارسون معنا الحبو التذكيري لايات الله الا ان الانفاق الفكرية التي حفروها في افكارهم ما كانت صلبة الجدران فانهارت في اكثر من موقع والزمتهم البقاء في مواقعهم فلم يتقدموا كثيرا لغايتهم في ادراك (وجه الله) وعادت مراكبهم الى ما عهدوه من مكتسبات معرفية عائمة بمجاذيف صنعتها معارف الناس ظنا منهم ان الوصول الى الحقيقة يحتاج الى سفينة لها ربان يمكن ان يمارس صلاحيات الهية المنبت والقيادة الا ان المجاذيف المحركة يصنعها الناس بسوئهم او خيرهم وجادلني احدهم حين اعلنا في الشبكة الدولية جائوة مالية كبيرة لمن يثبت اي رابط بين (الوطن والله) من القرءان فجاء ليثبت ان الرابط هو في السوء الذي يكتنف الوطن والوطنية وان السوء يقوم باذن الهي وكان يتصور انه قد استحق الوعد بالجائزة المالية فكان ما كان من وجع في الصدر حين يقول قائل لداعية يدعو الى سبيل الله هيا (اهدني الى الصراط المستقيم) وقرءان الله يقول (اهدنا الى الصراط المستقيم) فلا هادي غير الله ولا تقوم الذكرى الا حين يشاء الله وان كان فينا الف الف داعية
الحاج عبود الخالدي
تعليق